فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلَ الَّذِي سَبَقَ مِثْلُهُ فِي قِصَّتَيْ نُوحٍ وَهُودٍ، إِلَّا أَنَّ مِثْلَهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَهُ طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ، وَأُسْلُوبٌ مَعْهُودٌ، وَآخَرُ مَرْوِيٌّ مَأْثُورٌ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا يَقُولُهُ الْمُتَحَسِّرُ عَلَى مَنْ مَاتَ جَانِيًا عَلَى حَيَاتِهِ بِالسُّكْرِ وَنَحْوِهِ، الْمُعَزِّي لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُ، وَالْمُتَحَزِّنُ لِعَدَمِ قَبُولِهِ مَا بَذَلَ مِنَ النُّصْحِ لَهُ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذِهِ الْمُسْكِرَاتِ؟ أَلَمْ أُحَذِّرْكَ عَاقِبَةَ هَذِهِ الْمُخَدِّرَاتِ فَمَاذَا أَفْعَلُ إِذَا كُنْتَ تُفَضِّلُ لَذَّةَ السَّاعَاتِ وَالْأَيَّامِ، عَلَى هَنَاءِ الْمَعِيشَةِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي عَشَرَاتِ الْأَعْوَامِ؟ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُقَالُ فِي أَحْوَالِ الْحُزْنِ الْمُخْتَلِفَةِ خِطَابًا لِلْمَوْتَى بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ، بَلْ عُهِدَ مِنْهُمْ مُخَاطَبَةُ الدِّيَارِ، وَالطُّلُولِ وَالْآثَارِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ نِدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بَعْدَ دَفْنِهِمْ فِي الْقَلِيبِ «يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ! وَفُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ! أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» قَالَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟- أَوْ فِيهَا- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً حَسْرَةً وَنَدَمًا اهـ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمُتَعَذِّرِينَ لِعُبَّادِ الْقُبُورِ بِدُعَاءِ أَصْحَابِهَا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ يَقِيسُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا وَرَدَ مِنْ حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ فِي الْبَرْزَخِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَعَا مَيِّتًا مِنَ الصَّالِحِينَ يَسْمَعُ مِنْهُ وَيَقْضِي حَاجَتَهُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أُمُورَ عَالَمِ الْغَيْبِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِيهَا. اهـ.

.قال السعدي:

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}.إلى آخر قصتهم.
أي {و} أرسلنا {إِلَى ثَمُودَ} القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله، من أرض الحجاز وجزيرة العرب، أرسل اللّه إليهم {أَخَاهُمْ صَالِحًا} نبيا يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد، وينهاهم عن الشرك والتنديد، فـ {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} دعوته عليه الصلاة والسلام من جنس دعوة إخوانه من المرسلين، الأمر بعبادة اللّه، وبيان أنه ليس للعباد إله غير اللّه، {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: خارق من خوارق العادات، التي لا تكون إلا آية سماوية لا يقدر الناس عليها، ثم فسرها بقوله: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} أي: هذه ناقة شريفة فاضلة لإضافتها إلى اللّه تعالى إضافة تشريف، لكم فيها آية عظيمة. وقد ذكر وجه الآية في قوله: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
وكان عندهم بئر كبيرة، وهي المعروفة ببئر الناقة، يتناوبونها هم والناقة، للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من ضرعها، ولهم يوم يردونها، وتصدر الناقة عنهم.
وقال لهم نبيهم صالح عليه السلام {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} فلا عليكم من مئونتها شيء، {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} أي: بعقر أو غيره، {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ} في الأرض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم {مِنْ بَعْدِ عَادٍ} الذين أهلكهم اللّه، وجعلكم خلفاء من بعدهم، {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرْضِ} أي: مكن لكم فيها، وسهل لكم الأسباب الموصلة إلى ما تريدون وتبتغون {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا} أي: من الأراضي السهلة التي ليست بجبال، تتخذون فيها القصور العالية والأبنية الحصينة، {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} كما هو مشاهد إلى الآن من أعمالهم التي في الجبال، من المساكن والحجر ونحوها، وهي باقية ما بقيت الجبال، {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} أي: نعمه، وما خولكم من الفضل والرزق والقوة، {وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ} أي: لا تخربوا الأرض بالفساد والمعاصي، فإن المعاصي تدع الديار العامرة بلاقع، وقد أخلت ديارهم منهم، وأبقت مساكنهم موحشة بعدهم.
{قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} أي: الرؤساء والأشراف الذين تكبروا عن الحق، {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} ولما كان المستضعفون ليسوا كلهم مؤمنين، قالوا: {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} أي: أهو صادق أم كاذب؟.
فقال المستضعفون: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} من توحيد اللّه والخبر عنه وأمره ونهيه.
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} حملهم الكبر أن لا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء.
{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} التي توعدهم إن مسوها بسوء أن يصيبهم عذاب أليم، {وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي: قسوا عنه، واستكبروا عن أمره الذي من عتا عنه أذاقه العذاب الشديد. لا جرم أحل اللّه بهم من النكال ما لم يحل بغيرهم {وَقَالُوا} مع هذه الأفعال متجرئين على اللّه، معجزين له، غير مبالين بما فعلوا، بل مفتخرين بها: {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} إن كنت من الصادقين من العذاب فقال: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} على ركبهم، قد أبادهم اللّه، وقطع دابرهم.
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} صالح عليه السلام حين أحل اللّه بهم العذاب، {وَقَالَ} مخاطبا لهم توبيخا وعتابا بعدما أهلكهم اللّه: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: جميع ما أرسلني اللّه به إليكم، قد أبلغتكم به وحرصت على هدايتكم، واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم. {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} بل رددتم قول النصحاء، وأطعتم كل شيطان رجيم.
واعلم أن كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح وأنها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها فصيلا حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل فيه وأن صالحا عليه السلام قال لهم: آية نزول العذاب بكم، أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني: محمرة، والثالث: مسودة، فكان كما قال.
وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب اللّه، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه، بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى، لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا يهمله تعالى ويدع ذكره، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله، بل القرآن يكذب بعض هذه المذكورات، فإن صالحا قال لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} أي: تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جدا، فإنه ليس لكم من المتاع واللذة سوى هذا، وأي لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع العذاب، وذكر لهم وقوع مقدماته، فوقعت يوما فيوما، على وجه يعمهم ويشملهم احمرار وجوههم، واصفرارها واسودادها من العذاب.
هل هذا إلا مناقض للقرآن، ومضاد له؟. فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه.
نعم لو صح شيء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما لا يناقض كتاب اللّه، فعلى الرأس والعين، وهو مما أمر القرآن باتباعه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب اللّه بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب اللّه يقينية، وتلك أمور لا تصدق ولا تكذب، فلا يمكن اتفاقهما. اهـ.

.قال سيد قطب:

{وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}..
وهذه صفحة أخرى من صحائف قصة البشرية؛ وهي تمضي في خضم التاريخ، وها هي ذي نكسة أخرى إلى الجاهلية؛ ومشهد من مشاهد اللقاء بين الحق والباطل، ومصرع جديد من مصارع المكذبين..
{وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}..
ذات الكلمة الواحدة التي بها بدأ هذا الخلق وإليها يعود، وذات المنهج الواحد في الاعتقاد والاتجاه والمواجهة والتبليغ..
ويزيد هنا تلك المعجزة التي صاحبت دعوة صالح، حين طلبها قومه للتصديق:
{قد جاءتكم بيِّنة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية}..
والسياق هنا، لأنه يستهدف الاستعراض السريع للدعوة الواحدة، ولعاقبة الإيمان بها وعاقبة التكذيب، لا يذكر تفصيل طلبهم للخارقة، بل يعلن وجودها عقب الدعوة. وكذلك لا يذكر تفصيلًا عن الناقة أكثر من أنها بيِّنة من ربهم، وأنها ناقة الله وفيها آية منه.
ومن هذا الإسناد نستلهم أنها كانت ناقة غير عادية، أو أنها أخرجت لهم إخراجًا غير عادي. مما يجعلها بينة من ربهم، ومما يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى، ويجعلها آية على صدق نبوته.. ولا نزيد على هذا شيئًا مما لم يرد ذكره من أمرها في هذا المصدر المستيقن- وفيما جاء في هذه الإشارة كفاية عن كل تفصيل آخر- فنمضي نحن مع النصوص ونعيش في ظلالها:
{فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم}..
إنها ناقة الله، فذروها تأكل في أرض الله، وإلا فهو النذير بسوء المصير..
وبعد عرض الآية والإنذار بالعاقبة، يأخذ صالح في النصح لقومه بالتدبر والتذكر، والنظر في مصائر الغابرين، والشكر على نعمة الاستخلاف بعد هؤلاء الغابرين:
{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
ولا يذكر السياق هنا أين كان موطن ثمود، ولكنه يذكر في سورة أخرى أنهم كانوا في الحجر- وهي بين الحجاز والشام.. ونلمح من تذكير صالح لهم، أثر النعمة والتمكين في الأرض لثمود، كما نلمح طبيعة المكان الذي كانوا يعيشون فيه. فهو سهل وجبل، وقد كانوا يتخذون في السهل القصور، وينحتون في الجبال البيوت. فهي حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير.. وصالح يذكرهم استخلاف الله لهم من بعد عاد، وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها، ولكن يبدو أنهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارة عاد، وأن سلطانهم امتد خارج الحجر أيضًا. وبذلك صاروا خلفاء ممكنين في الأرض، محكمين فيها. وهو ينهاهم عن الانطلاق في الأرض بالفساد، اغترارًا بالقوة والتمكين، وأمامهم العبرة ماثلة في عاد الغابرين!
وهنا كذلك نلمح فجوة في السياق على سبيل الإيجاز والاختصار. فقد آمنت طائفة من قوم صالح، واستكبرت طائفة. والملأ هم آخر من يؤمن بدعوة تجردهم من السلطان في الأرض، وترده إلى إله واحد هو رب العالمين! ولابد أن يحاولوا فتنة المؤمنين الذين خلعوا ربقة الطاغوت من أعناقهم بعبوديتهم لله وحده، وتحرروا بذلك من العبودية للعبيد!
وهكذا نرى الملأ المستكبرين من قوم صالح يتجهون إلى من آمن من الضعفاء بالفتنة والتهديد:
{قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه}..
وواضح أنه سؤال للتهديد والتخويف، ولاستنكار إيمانهم به، وللسخرية من تصديقهم له في دعواه الرسالة من ربه.